حرب غزة تعري الغرب ،وتفضح ازدواجية معايير حقوق الإنسان لديه

11 December, 2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم
يحتفي العالم في اليوم العاشر من ديسمبر كل عام – لاسيما المنظمات الحقوقية-بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.ومن الملاحظ أن المنظمات الحقوقية تحتفل بهذا الحدث ،كل عام ،وبين يديها العديد من الإخفاقات في ممارسة هذه الحقوق ،وعجزها عن رفع الانتهاكات عن الضحايا.
فكثير من الدول تمارس انتهاكاً واضحاً لحقوق مواطنيها،وتجد تشجيعاً من الدول الكبرى التي تدعي المحافظة على هذه الحقوق ورعايتها،وتعطي نفسها الحق أن تحاسب-في بعض الأحيان- من ينتهك تلك الحقوق . وتوالي تلك الهيئات والمنظمات واللجان،اصدار استنكارات وادانات وشجب لممارسات تلك الدول التي تعتدي على حقوق الإنسان ،ولا تجد تلك الإدانات اذناً صاغية ،لا من الدول التي تمارس تلك الإنتهاكات ،والتي تبدو مطمئنة الى أنها لن تطالها أية عقوبات تردعها عن تلك الإنتهاكات، او ترفع التعدي عمن اعتدي عليها، كما لا تجد استجابة جادة من الدول العظمي والمنظمات التي تتبع لها ، لممارسة دورها في رفع الظلم عن المظلومين، أو الضغط على الدول المعتدية على مواطنيها في أن تكف يدها عن تلك الانتهاكات.

ولعل السبب وراء هذه المواقف المتناقضة التي تدعو الى الإحباط،من قبل الجهات القانونية التي تدافع عن حقوق الانسان، واليأس من قبل المستضعفين الذين يقع عليهم التعدي،هو تقديم الدول الكبرى، التي تتزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، مصالحها الخاصة لا سيما الاقتصادية والسياسية، على القيم والمباديء التي كانت في الاساس وراء هذا الاعلان ومتابعته منذ عام 1948م. وقد كان هذا نهج غالبية قادة الديمقراطيات الغربية، في التعامل مع انظمة الفساد والعسف والاستبداد ،وخيانة آمال الشعوب وحقوقها،لاسيما في العالم العربي والإسلامي ،في الوقت الذي يتجاهلون ما ترتكبه دول عديدة ،من اتنهاكات لحقوق الانسان وتعد على كرامته وامتهان لانسانيته،وعلى رأس تلك الدول اسرائيل التي تحتل اراضي الفلسطينين،وتهدم منازلهم،وتهجرهم من ارضهم ،في تحد صارخ لقرارات الامم المتحدة المتكررة. والحكومة الهندية التي تعلن عن حربها على مواطنيها المسلمين ،فتهدم مساجدهم،وتدمر منازلهم بل وتجردهم من جنسيتهم الهندية في الوقت التي ترفع هي واسرائيل شعار الديمقراطية،وتعلن دفاعها عن حقوق الانسان. اضافة الى الصين في تعاملها اللا انساني مع مسلمي الايغور، اذ تقوم السلطات الصينية بتعذيبهم وتجويعهم حتى الموت ،والعمل على ابادتهم والتخلص منهم، . ومينمار في انتهاكم لحقوق الروهينجا،وتجريدهم من جنسيتهم ،وحرق مساكنهم ، وتشريدههم من ديارهم،واجبارهم على ترك بلادهم،وحرمانهم من حقوقهم،الانسانية.ورغم هذه الانتهاكات الموثقة من منظمات حقوق الإنسان والدوائر العدلية الغربية ،فلم تقابل تلك الدول المنتهكة لتلك الحقوق بما تستحق من مواجهة،او سعي لازالة ما وقع من تعد منها واضرار على الضحايا.

وتمر ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، لهذا العام ،وحقوق الإنسان للاسف تنتهك ويتعدى عليها بمشاركة وعون من الدول الغربية التي يظن انها تحمل لواء الدفاع عن تلك الحقوق وحمياتها، الامر الذي شجع الدولة التي تمارس تلك الانتهاكات، على التمادي في ارتكاب افعال ترقي الى ان تكون جرائم حرب . والاشارة هنا كما يعلم القراء الى احداث غزة التي عرفت بطوفان الاقصى، وقيام المقاومة الفلسطينية ( حماس) بهجوم مفاجئ شنته الحركة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على إسرائيل، واسفر عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، وإصابة ألفين آخرين واحتجاز أكثر من 240 شخصا لدى حماس.، ردًّا على «الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المَسْجِدِ الأقصى المُبَارك واعتداء المُستوطنين الإسرائيليين على المُواطنين الفلسطينيين في القُدس والضّفّة والدّاخل المُحتَل،

• وردت إسرائيل بهجمات غير مسبوقة على قطاع غزة ،بل هاجمت شمال غزة بقوة قتالية قوامها 40.000، ودكّت المدينة في حدودها الضيقة بحملة قصف مكثف لم ير مثلها في التاريخ. وفرّ حوالي مليوني شخص من بيوتهم، وقتل حتى الان ما يتجاوز 17.000 شخص، من بينهم 8.000 طفل، و 6.000 امرأة. ، وقصفت إسرائيل المستشفيات وسيارات الإسعاف، وحطّمت حوالي نصف البنايات والمساكن على رؤوس اصحابها. وقطعت بشكل حقيقي كل إمدادات المياه والطعام وتوليد الكهرباء لـ 2.2 مليون نسمة. وبأي تعريف، تعتبر هذه الحملة الضخمة عقاباً جماعياً ضد المدنيين. . وقد وثقت كثير من المنظمات الحقوقية جرائم حرب واضحة ارتكبها الكيان الصهيوني، مثل تهجير السكان واستهداف المستشفيات والمرافق الطبية، إضافة إلى استخدام الفوسفور الأبيض بدون تمييز ضد مناطق مكتظة بالسكان.

ومما شجع الكيان الغاصب ،على هذا السلوك الوحشي اصطفاف الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون كبريطانيا وفرنسا والمانيا وراءها. فمنذ الساعات الأولى لمعركة طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية حماس ضدّ قوات الاحتلال في غزة، وقفت معظم الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية صفاً واحداً خلف إسرائيل، وقد كرّرت هذه الدول موقفاً موحداً من الحرب، على شكل دعم غير محدود وغير مشروط، وبالتالي غير مسبوق، لقوات دولة الاحتلال لما أسموه “الدفاع عن نفسها”. علما بان هذه الحجة استخدمتها معظم الدول الاستعمارية ضد الشعوب المستعمرة،كذريعة للابادة الجماعية،كما بين الاستاذ سمير التقي في مقالته بجريدة الشرق الاوسط ” الدفاع عن النفس كذريعة للابادة الجماعية” السبت: 8/12/ 2023م. وأشارت صحيفة لوموند الفرنسية في افتتاحية لها، إلى أن حق الدفاع عن النفس أصبح هو الحق في تدمير كل شيء، منذ أن أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن إسرائيل تواجه “حيوانات بشرية” وأنها “ستعمل على هذا الأساس”.
فهذا بايدن رئيس الولايات المتحدة ،الذي لا يخجل من تكرار كلامه أمام العالم أجمع قائلا: “لا بد أنكم سمعتموني أقول عدة مرات إنه لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراع واحدة. وأنا أعني هذا الكلام”. وهي عبارة تثير الاستنكار والاشمئزاز في وقت واحد، وتدمّر مصداقية الإدارة الأميركية والولايات المتحدة، وتنسف المبادئ التي تتحدث عنها حول المساواة وحقوق الإنسان وحق الشعوب في التحرر من الاحتلال .ونفس هذا الرئيس لايمل من التاكيدعلى ان دعم بلاده لإسرائيل «صلبٌ كالصَّخر وراسخ»، ويقول عن احداث غرة الاخيرة، إنّ شعب إسرائيل يتعرَّض لهجوم من منظمةٍ إرهابية وهي حماس، وأود أن أقول له( مخاطبا ناتنياهو)، وللعالم وللإرهابيين في كل مكان إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل. ولم يكتف بايدن بهذا بل كرّر في تل أبيب ثم في واشنطن الدعاية السوداء الإسرائيلية التي ثبت لاحقاً كذبها، مثل قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء، وحرق الجثث وما إلى ذلك من الاكاذيب التي تنشرها الى الدعاية الصهيونية، وردّدها بايدن أكثر من مرة ،رغم نفي البيت الأبيض اللاحق لها، كما ردّدها من بعده وزير خارجيته أنطوني بلينكن أمام الكونغرس من دون أن يرف له جفن.

ولم يقف الدعم الأمريكي، عند الحدود السياسية والإعلامية، بل خصصت الولايات المتحدة مبالغ ضخمة من الدعم المالي المباشر لإسرائيل، كما حضرت بحاملات طائراتها إلى حوض البحر المتوسط، إذ أرسلت أولاً، وبعد ثلاثة أيام فقط من بدء المعركة، حاملة الطائرة “جيرالد فورد”، ثم ألحقتها بعد أيام بـ”دوايت آيزنهاور”،.كما مدت الولايات المتحدة دولة الاحتلال بكميات ضخمة من العتاد العسكري المتنوع وعلى رأسه الدفاعات الجوية مثل الصواريخ الاعتراضية والذخائر وفي مقدمتها القذائف المدفعية، التي قالت إنّها تأكيد لـ”التزامها الحازم بأمن إٍسرائيل وتصميمها على ردع أي دولة أو جهة غير حكومية تسعى لتصعيد الحرب”.
اما بريطانيا فقد حمًّل -رئيس وزرائها ريتشي سوناك -حماس، المسؤولية عن هذا الصراع، ومضى الى القول: إن لاسرائيل الحق في حماية نفسها بما يتماشى مع القانون الدولي !!!. كما قال رئيس حزب العمال البريطاني : إننا نقف مع إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها في مواجهة إرهابيي حماس. نحن نؤيد القانون الدولي، وحماية أرواح الأبرياء، والدعم الإنساني للفلسطينيين. ونحن نفعل ذلك، لأننا نؤيد المسار السياسي لحل الدولتين”.
ومثلما فعلت الولايات المتحدة في امداد اسرائيل بالعتاد العسكري، فقد فعلت دول غربية عدّة، في مقدمتها بريطانيا التي أرسلت قطعتين بحريتين إلى المنطقة، فيما كانت أسلحة الدول الأخرى مركزة في سلاح الجو بهدف إجلاء رعاياها كما أعلن.

اما فرنسا،فقد أدان رئيسها بشدة الهجوم وأعرب عن تضامنه الكامل مع الضحايا وعائلاتهم وأحبائهم.
اما المانيا فقد وصف مسؤولوها هجوم حماس بالوحشي أو الإرهابي.واعلنوا الوقوف إلى جانب إسرائيل.وحق إسرئيل في الدفاع عن نفسها ومهاجمة حماس.وأدانت وزيرة خارجيتها ،الهجمات على إسرائيل من غزة، ووصفتها بالإرهابية، وأعلنت تضامنها بشكل كامل مع إسرائيل، وحقها بموجب القانون الدولي في الدفاع عن نفسها في مواجهة الإرهاب.
وقد هرع رؤساء تلك الدول ووزاء خارجيتها ودفاعها وكبار مسؤوليها،وتنافسوا في اظهار دعمهم ومؤاساتهم ،ولنجدة الكيان الصهيوني، محملين بالأسلحة والعتاد العسكري،وووجهوا صواريخهم وحاملات طائراتهم وأساطيلهم وغواصاتهم لحماية الكيان الذي اذهلته المفاجاة،وتشجيعه على الانتقام الاعمى من المقاومة وسكان غزة، الواقعة تحت الاحتلال منذ 56 سنة والحصار منذ 16 سنة. فهم اذن ملطخة ايايدهم بدماء اطفال غزة ونساءها وشهداءها، شركاء في حرب الإبادة،التي قام بها ولا يزال الكيان الغاصب . مدججا بكل ما زودته به قوى الاستعمار الغربي من عدة وعتاد. ولم يترك الاحتلال الإسرائيلي جريمة واحدة من الجرائم التي نصّ عليها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدّولية، إلا وارتكبها. فقد مارس جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب، والتهجير القسري، واستهدف المستشفيات والمرافق الصّحية، ودور العبادة، وقطع إمدادات الماء والكهرباء، وقصف المناطق التي أعلن هو نفسه بأنها “آمنة”، ناهيك عن استهداف الصحافيين وطواقم الإسعاف وشاحنات الإغاثة.
• بل بلغت الجراة بالكيان الصهيوني ان جرد الفلسطينيين من بشريتهم، ونفى عنهم صّفة الإنسانية للفلسطينيين، وبأنهم من ثم مُجرّدون من أيّة حقوق تُمنح لهم بوصفهم بشر. فقد صرح وزير الدفاع الاسرائيلي،بلا خجل او حياء، بانهم يقاتلون حيوانات بشرية ، ومن ثم اعطي نفسه الحق في أن يمنع عنهم مقومات الحياة الأساسية، كالغذاء، والماء، والرعاية الصحية عبر قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف التي تقلّ الجرحى، وكل ما من شأنه أن يساعد في حفظ الأرواح أو إنقاذها وإسعافها. و نشر صهيوني اخر يدعى كينغ”، وقيل أنه مرشح لرئاسة بلدية القدس الغربية ،عبر حسابه على منصة “إكس” توتير، صورا لأسرى فلسطينيين أجبرهم الجيش الإسرائيلي على التعري إلا من ملابسهم الداخلية ، وكتب قائلاً: “لو أتيح لي أن أتخذ القرار، لكنت جلبت 4 جرافات ضخمة (D9)، وأمرت بتغطية كل هذه المئات من النمل( هكذا يصف الفلسطيين)، وهم لا يزالون على قيد الحياة”.وأضاف: “إنهم ليسوا بشرًا وليسوا حيوانات بشرية، إنهم دون البشر، وهذه هي الطريقة التي يجب معاملتهم بها” وفق تعبيراته، المخزية.

وتؤكّد الحرب على غزة أطروحة القائلين إن منظومة حقوق الإنسان كما يتبناها الغرب لا تقوم على أيّ أساس أخلاقي مجرد، وإنما على أساس معايير انتقائية وتمييزية مزدوجة، وهذا ما يجعل من مطالبات الدّول الغربية باحترام حقوق الإنسان ورقة ضغط ومساومة ضدّ الأنظمة المعادية لها. وتدعم هذا الرأي سرعة استجابة هذه المنظومة لما يُعتقَد أنها جرائم حرب ارتكبتها روسيا في حربها على أوكرانيا وتخاذلها أمام الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال في غزة.
ومما يؤيد ذلك انه بعد مرورو اكثر من شهر على استخدام إسرائيل إستراتيجية العقاب الجماعي، وارتكابها أوضح صور جرائم الحرب، بحسب وصف منظمات حقوقية دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “العفو الدولية”، لا تزال الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ترفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار.،بل ان امريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت حق النقض، في يوم الجمعة الثامن من الشهر الجاري،رغم تفعيل الامين العام لللامم المتحدة المادة 99،والتي تنص غلى ان للامين العام الحق في ان بنبه مجلس الامن الى اية مسألة يرى انها قد تهدد حفظ السلم والامن الدوليين”، ولكن الولايات المتحدة لم تستجب لهذا النداء واستخدمت حق النقض ( الفيتو). والجدير بالذكر ان امريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت حق النقض، حوالي 114 مرة ،من بينها 80 مرة لمنع ادانة حليفتها اسرائيل ،و34 مرة ضد قوانين تساند حق الشعب الفلسطيني،بينما استخدم حق النقض ( الفيتو)،260 مرة منذ تاسيس مجلس الامن عام 1945.

ومثل هذه المواقف المساندة للكيان الصهيوني، من الدول الغربية عموما ومن امريكا بصفة خاصة ، هي التي دفعت مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش” في إسرائيل وفلسطين، الى القول بإن “المعايير المزدوجة للحكومات الغربية لا تلحق الضرر فقط بالحماية المدنية للفلسطينيين، وإنما لها تداعيات على المستوى العالمي، لأنها تتحدى الالتزام الأساسي لهذه الدول بالقانون الدولي والقواعد التي يستند لها النظام الدولي.
ولم يقف انتهاك حقوق الانسان عند الاصطفاف مع الكيان الصهويني وتبرير كل ما يقوم به من جرائم تجاه المستضعفين من الفلسطينيين ،واهل غزة بصفة خاصة، بل تجاوز ذلك الى التعدي على حرية التعبير. حيث اشتدت حملات التضييق على حرية التعبير فيما يتعلق بفلسطين في أوروبا والولايات المتحدة، بشكل لم تسجله هذه الدول في الماضي. فقد شهدت فترة الحرب على غزة ، اعتقالات ومحاكماتٍ لأفراد على خلفيات التظاهر أو الهتاف أو رفع شعارات تمّ تفسيرها بطريقة تؤدي للإدانة القضائية.بل تواجه منظمات حقوقية حملات شيطنة وتشويه سمعة مستمرة في أكثر من دولة .
ففي بريطانيا تواجه الحركة الحقوقية والتضامنية بشكل عام اتهامات بمعاداة السامية والكراهية، كان آخرها ما جرى على لسان وزيرة الداخلية الهندية الاصل ،والتي اقيلت فيما بعد” سويلا بريفرمان”، حيث اتهمت كل المتضامنين مع الفلسطيين بـ”متظاهري الكراهية”. بل سعت الحكومة البريطانية الى ايقاف المظاهرات المناصرة لحقوق الفلسطينيين ،والمطالبة بوقف المجازر المرتكبة ضدهم، ولكن ووجه هذا المسعى بمعارضة قوية من مؤسسة الشرطة البريطانية التي بينت انه ليس هناك قانون يمنع التظاهر السلمي ،الملتزم بالقانون العام.
اما في ألمانيا، فقد أصدرت الحكومة تعليمات صارمة باعتبار بعض الممارسات والهتافات التضامنية جرائم قانونية، مثل لبس الكوفية الفلسطينية ، أو هتاف “من البحر إلى النهر، فلسطين ستكون حرة”، تحت ذريعة أنها دعوة إلى إنكار حق إسرائيل في الوجود، ،. وطالبت النائبة كاتيا أدلر من،،الحزب الديمقراطي الحر الذي ينادي بـ”الحرية والليبرالية”،بضرورة حظر قناة الجزيرة ، حيث كتبت “الجزيرة لا تزال متاحة تماما في ألمانيا، وهي بذلك تنشر الكراهية ضد اليهود وضد الغرب، وهي المصدر الوحيد للمعلومة بالنسبة إلى كثير من المسلمين والمهاجرين في ألمانيا. يجب أن تمنع تماما كما تم مع قناة روسيا اليوم”.،وقد احدث الطلب جدلا في مواقع التواصل بألمانيا ، وقوبل بمعارضة شديدة وادانة من قبل كثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي..
وفي تصريح للجزيرة نت ،قال مدير مركز جنيف للديمقراطية وحقوق الإنسان، ، أن ما تشهده الحركة الحقوقية العالمية غير مسبوق في التاريخ المعاصر، إذ يعجز الأمين العام للأمم المتحدة عن تثبيت موقف بسيط مثل المطالبة بوقف إطلاق النار، على حد وصفه.
كما تسجل الحرب الحالية على غزة ،تعاظم الشعور العام دوليا بتراجع الحماية القانونية للحريات العامة. وهو الأمر الذي دفع عددا من موظفي وكالات إعلامية دولية كقناة “بي بي سي” BBC البريطانية، وصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية ،للاستقالة .
وقد تنامت مؤخرا في ضوء تطورات الحرب على غزة ظاهرة الاستقالات الاحتجاجية في الغرب، والتي تشير إلى فشل المؤسسات والكيانات الحكومية وشبه الحكومية، الالتزام بمعايير متساوية في احترام الحريات وحقوق الإنسان.
ففي امريكا قدم المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية جوش بول استقالته بسبب تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الحرب الدائرة في قطاع غزة، وقال إنه لا يستطيع دعم المزيد من المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، ووصف رد الإدارة الأميركية بأنه “رد فعل متهور” قائم على “الإفلاس الفكري” (استقالة مسؤول أميركي احتجاجا على دعم إسرائيل الجزيرة نت).
وفي هولندا انسحب 12 مخرجا وفنانا من مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية “آي دي إف إيه” (IDFA)، الذي يُعتبر المهرجان الأكبر من نوعه على مستوى العالم. فقد أشارت صحيفة “الغارديان” البريطانية إلى أن الانسحابات جاءت على خلفية إدانة إدارة المهرجان لهتاف فلسطيني كان قد حصل خلال الجلسة الافتتاحية للنشاط. (لانتهاكات في غزة وأثرها على الحركة الحقوقية الدولية، الجزيرة نت.)
وفي يوم الاربعاء 15/11/2023م ،استقال عشرة اعضاء،من بينهم بعض وزراء ،دفعة واحدة من حكومة الظل التي يقودها حزب العمال البريطاني المعارض، بعد تصويت الأخير ضد مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار في غزة داخل مجلس العموم البريطاني.
ومما يفضح ازدواجية معايير حقوق الإنسان في الغرب اجراء مقارنة بين ردود الفعل الدولية تجاه الحرب ضد غزة ، وتجاه الغزو الروسى لأوكرانيا، فبينما نجد سرعة استجابة المنظومة الدولية لما يُعتقَد أنها جرائم حرب ارتكبتها روسيا في حربها على أوكرانيا، نجد في المقابل تخاذل تلك المنظومة وتباطؤها، بل صمتها إزاء ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في حق الشعب الفلسطينى منذ عقود ،وأمام الجرائم الآنية المروعة التي يرتكبها الاحتلال في غزةـ’. ويمكن الاشارة هنا الى موقف المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان المشبوه تجاه ما يجري في غزة ،وسرعته في الاستجابة للقاء الرهائن الإسرائيليين وعائلاتهم ومحاميهم، اثناء زيارته دولة الاحتلال الإسرائيلية بينما يمتنع عن تلبية دعوات مماثلة للاجتماع بالأسرى الفلسطينيين، سبق أن وجهتها له منظمات حقوقية فلسطينية.الامر الذي دفع ثلاث مجموعات حقوقية فلسطينية الى التشكيك في نزاهته ،ورفض لقائه .
وهكذ فإن الأزمة الإنسانية في غزة ورد الولايات المتحدة وقادة غربيين آخرين عليها يسلط الضوء على المعايير المزدوجة التي تتعامل فيها هذه الحكومات مع الصراع”.
وهكذا يظهر هذا التباين الصارخ في المواقف، مدى الانتقائية والمعايير المزدوجة في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، حيث تسرع الدول لحماية البعض، بينما تترك البعض الآخر فريسة للظلم والاضطهاد، رغم أنه يجب ألا يكون هناك تمييز بين قيمة دماء البشر وكرامتهم، بناء على العرق أو الدين أو الموقع الجغرافى، فكل البشر متساوون في الحقوق والكرامة وفقًا للمواثيق الدولية.
وعليه فإن هذه الحرب كشفت وفضحت نية الغرب وشعاراته الكاذبة التي نادى بها مرارًا وتكرارًا من أجل حماية حقوق الإنسان، وأظهرت أيضًا موقف الإعلام الغربى وقدرته على نشر الأكاذيب والشائعات تحيزًا لإسرائيل.مما يثبت أن حقوق الإنسان والقوانين الدولية ،ما هي إلا شعارات تستخدم وقتما أرادت الدول العظمى ، وتعطل في الوقت الذي تتعارض فيه مع مصالحها، وفي حالة غزة فإن الغرب ،بمواقفه المنحازة تعمد دفع إسرائيل إلى ارتكاب مجازر أكبر تحت زريعة الدفاع عن النفس، وسمح كذلك بمحاصرة أهل غزة وقطع كل ما يمكن الإنسان من العيش عنهم،.
وكل ذلك يكشف عن المعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان ،والذي وصل الى درجة اثرت على سياسات منصات التواصل الاجتماعى، وجعلها تنحاز بوضوخ للموقف الإسرائيلى، وخير على ذلك ،ما تقوم به شركة Meta،التى تندرج تحتها منصتا فيسبوك وإنستجرام، حيث يتم منع وحظر أي محتوى يعبر عن التضامن مع الشعب الفلسطينى بدعوى مخالفته للمعايير المجتمعية، ودعم المنظمات الإرهابية، في الوقت الذي يسمح فيه بانتشار خطاب الكراهية والعنصرية ضد الفلسطينيين دون قيود. (حرب ضد غزة تفضح ازدواجية معايير حقوق الإنسان الجزيرة نت)
أ.د. احمد محمد احمد الجلي


Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *